سلطان عُمان في الجزائر في وساطة ذات أبعاد ثلاثية
كتب : نذير عزوز / تونس - المساء / 2025-05-04 / عالم
تسعى الجزائر حاليًا إلى اتخاذ خطوات قانونية لرفع قضايا ضد فرنسا بشأن الجرائم المرتكبة خلال فترة الاستعمار، والتي امتدت من عام 1830 حتى 1962. وتأتي هذه المبادرات في إطار جهود الجزائر للمطالبة بالاعتراف الرسمي والاعتذار عن الانتهاكات التي وقعت خلال تلك الفترة، بالإضافة إلى المطالبة بالتعويضات. وفي هذا السياق، تأتي زيارة سلطان عمان إلى الجزائر في وقت حساس، حيث يُتوقع أن تلعب سلطنة عمان دور الوسيط بين الجزائر وفرنسا، وربما حتى مع الإمارات، في محاولة لتقريب وجهات النظر وتخفيف التوترات الإقليمية والدبلوماسية.
من بين الخطوات التي اتخذتها الجزائر في هذا السياق، استعادة رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية الذين قُتلوا خلال الاستعمار، والتي كانت محفوظة في متحف الإنسان بباريس. وكانت هذه الخطوة رمزية وعكست إصرار الجزائر على استعادة حقوقها التاريخية والمعنوية. في المقابل، أبدت فرنسا استعدادها لاتخاذ خطوات رمزية لمعالجة ملف الاستعمار، لكنها رفضت تقديم اعتذار رسمي. وقد أثار هذا الموقف الفرنسي انتقادات في الجزائر، حيث اعتبر البعض أن هذه الخطوات غير كافية ولا ترقى إلى مستوى الاعتراف الكامل بالجرائم المرتكبة. تُشير هذه التطورات إلى تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا بشأن ملف الذاكرة الاستعمارية، وقد تؤدي إلى مزيد من التصعيد في العلاقات الثنائية إذا لم يتم التوصل إلى حلول ترضي الطرفين. ويُعدّ النشيد الوطني الجزائري، قسماً، تجسيدًا حيًا للأزمة الراهنة ولذاكرة النضال ضد الاستعمار. ففي عام 2023، أعادت الجزائر إدراج المقطع الذي يبدأ: بيا فرنسا قد مضى وقت العتاب… إلى النشيد الرسمي، بعد أن كان قد حُذف في ثمانينيات القرن الماضي لتفادي الحرج الدبلوماسي مع باريس. هذا المقطع يُذكّر فرنسا بأن يوم الحساب قد حان. زد على هذا، وعلى الصعيد التشريعي، يُناقش البرلمان الجزائري مشروع قانون يهدف إلى تجريم كل أشكال تمجيد الاستعمار الفرنسي، مُحمّلاً الدولة الفرنسية المسؤولية القانونية عن الجرائم التي ارتُكبت خلال فترة الاحتلال. ويتضمن المشروع بنودًا تُتيح للمواطنين الجزائريين المتضررين رفع دعاوى قضائية ضد فرنسا للمطالبة بالتعويضات، كما ينص المشروع على ملاحقة كل من مجد الاستعمار بعقوبات سجنية وبالغرامات. ومن خلال هذه الخطوات تبعث الجزائر رسائل متعددة تحمل في طياتها ملف الذاكرة الاستعمارية الذي تعتبره لا يزال حيًا. ولقد شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية تصعيدًا غير مسبوق في الأشهر الأخيرة، حيث تداخلت القضايا الثقافية والقانونية والدبلوماسية، مما أدى إلى توتر متزايد بين البلدين. وفي مارس 2025، أصدرت المحكمة الجزائرية حكمًا بالسجن خمس سنوات مع النفاذ ضد الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، بتهم تتعلق بالمساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية والإضرار بالاقتصاد الوطني. وقد أثار هذا الحكم ردود فعل غاضبة في فرنسا، حيث اعتُبر الحكم انتهاكًا لحرية التعبير، مما زاد من حدة التوتر بين البلدين. وفي أفريل 2025، أعلنت الجزائر طرد 12 موظفًا من البعثة الدبلوماسية الفرنسية، ردًا على توقيف دبلوماسي جزائري في فرنسا بتهمة التورط في محاولة اختطاف المعارض الجزائري أمير بوخرص. وردت باريس بإجراء مماثل، ما أدى إلى تصعيد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
إقرأ كذلك:
( نشر يوم 2024-05-16)
السعودية تغازل مصر لشراء رأس جميلة
وساهم هذا التوتر المتصاعد في تعقيد أوجه التعاون بين الجزائر وفرنسا، لا سيما في مجالات مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية. كما أثار مخاوف من تداعيات سلبية على أوضاع الجالية الجزائرية في فرنسا، في ظل تشديد الإجراءات ضد المهاجرين غير الشرعيين، والتراجع في منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين. وفي ظل الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا، تتباين أيضا تعليقات صحفية حادة منشورة من الجزائر ومن الإمارات المتحدة حيث يتصارع البلدين أمام الملإ، والسبب واحد: الصحراء. ففي الجزائر ملف مغربية الصحراء لا يزال مطروح ولا تزال الجزائر تدعم البوليزاريو الصحراوي وتراهن بكل ثقلها في الأمم المتحدة وفي غيرها من المنابر لحق الشعب الصحراوي في تحديد مصيره إلا أن الجارة المغربية لم تعترف بسيادة الشعب الصحراوي وضمت الأراضي الصحراوية في خريطتها الرسمية. وتُعَدّ زيارة سلطان عُمان، هيثم بن طارق، إلى الجزائر في يوم 4 ماي 2025، خطوة دبلوماسية بارزة تأتي في سياق إقليمي متوتر، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية. ورغم أن الزيارة تُصنَّف رسميًا ضمن إطار تعزيز العلاقات الثنائية، إلا أن توقيتها ومحتواها يوحيان بأبعاد أعمق قد تتجاوز التعاون الثنائي لتشمل ملفات إقليمية حساسة. وتُعتبر سلطنة عُمان من الدول الخليجية التي أعلنت دعمها لمغربية الصحراء، حيث أعربت عن تأييدها لوحدة المغرب وسيادته على كافة أراضيه، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. هذا الموقف يتماشى مع التوجه الخليجي العام، ويُعقّد جهود الجزائر في كسب دعم خليجي لموقفها الداعم لجبهة البوليساريو في هذه القضية. كما تُعَدّ زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر الأولى من نوعها لسلطانٍ عُماني، ما يعكس أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين. وقد شهدت العلاقات بين الجزائر وسلطنة عُمان تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات تعاون في مجالات الاقتصاد، الطاقة، التعليم، والثقافة. كما تم إنشاء صندوق استثماري جزائري عُماني مشترك، يهدف إلى دعم مشاريع استراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة، الزراعة الصحراوية، البتروكيماويات، السياحة، والتكنولوجيا. وقد تأتي هذه الزيارة أيضًا في إطار سعي سلطنة عمان للعب دور الوسيط بين الجزائر وكل من الإمارات وفرنسا. رغم عدم وجود تصريحات رسمية بهذا الشأن، فإن توقيت الزيارة ومواقف عمان المعتدلة قد تشير إلى رغبة في تهدئة الأجواء وإعادة فتح قنوات الحوار، مع السعي لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية وتحقيق الاستقرار الإقليمي بعيدًا عن التصعيدات السياسية الحالية، في محاولة وساطة ذات أبعاد ثلاثية.
إقرأ كذلك:
( نشر يوم 2025-05-04)
ماذا يحدث بين الجزائر والإمارات ؟
كلمات مفاتيح : الجزائر تستقبل سلطان عمان ، الخليج على الخط
اقرأ أيضا
تشهد العلاقات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء ... إقرأ المزيد
شهدت العاصمة الروسية موسكو يوم 9 ماي 2025 احتفالات ضخمة بمناسبة ... إقرأ المزيد
شهدت العاصمة الفرنسية باريس أحداثًا عنيفة مساء الأربعاء 7 ماي 2025، ... إقرأ المزيد
اختفى النائب الليبي إبراهيم الدرسي، عضو مجلس النواب عن مدينة ... إقرأ المزيد
أعلنت القوات المسلحة الباكستانية، بعد التصعيد الخطير للتوترات ... إقرأ المزيد
اندلع مساء الثلاثاء 6 ماي 2025 حريق كبير في مركز تجاري بحي الحنايشة ... إقرأ المزيد
تشهد العلاقات بين الهند وباكستان تصعيدًا خطيرًا، يُعد الأخطر منذ ... إقرأ المزيد
تستقبل الرئاسة الفرنسية هذه الأيام الرئيس الانتقالي السوري أحمد ... إقرأ المزيد
تشهد العلاقات بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة توترًا ... إقرأ المزيد
استهدف الحوثييون اليمنيين صباح يوم الأحد 4 ماي 2025 مطار بن غوريون ... إقرأ المزيد
تسعى الجزائر حاليًا إلى اتخاذ خطوات قانونية لرفع قضايا ضد فرنسا ... إقرأ المزيد
تم إحباط محاولة تفجير عبوة ناسفة خلال حفل الفنانة ليدي غاغا في ريو ... إقرأ المزيد
بعدما أبطلت المحكمة الدستورية الرومانية، في شهر ديسمبر من السنة ... إقرأ المزيد
في رسالة إنسانية انطلقت من تونس وتصعيد خطير ضد الجهود الإنسانية ... إقرأ المزيد
ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارته المرتقبة إلى ... إقرأ المزيد
في خطوة مبتكرة تهدف إلى تطوير النظام الاقتصادي في تونس وتعزيز فرص ... إقرأ المزيد
تستعد روسيا بشكل مكثف للاحتفال بالذكرى الثمانين للنصر في الحرب ... إقرأ المزيد
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، والتنافس العالمي على ... إقرأ المزيد
archives
Politique de confidentialité
termes et conditions
LeSoirTV
Qui sommes nous
administration
ecrivez nous
sitemap sitemap-news Feed RSS
Paramètres de confidentialité et des cookies