في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، والتنافس العالمي على الموارد الاستراتيجية، وقّعت الولايات المتحدة وأوكرانيا يوم الأربعاء 30 أفريل 2025 اتفاقية مهمة تمنح واشنطن أولوية الوصول إلى الموارد المعدنية والمعادن النادرة في الأراضي الأوكرانية، وهي مواد تُعد ضرورية للصناعات التكنولوجية الحديثة.
وجرى التوقيع بحضور سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي، ونائبة رئيس الوزراء الأوكراني يوليا سفيريدينكو، حيث تم التأكيد على الطابع الاستراتيجي لهذه الشراكة التي تشمل أيضاً إنشاء صندوق استثماري لإعادة الإعمار، بمساهمة من كلا البلدين. وتُعد هذه الاتفاقية تحوّلاً نوعياً في طبيعة العلاقة بين كييف وواشنطن، حيث تنتقل من إطار الدعم العسكري المباشر إلى شراكة اقتصادية طويلة الأمد. فبدلاً من تقديم المساعدات كمنح، تستثمر الولايات المتحدة في البنية التحتية الأوكرانية، مقابل ضمانات لعائدات مستقبلية من قطاع المعادن. هذا النموذج يعكس رغبة الطرفين في بناء علاقة متوازنة قائمة على المصالح المشتركة. وقد صرّح سكوت بيسنت بأن هذه الاتفاقية تُظهر للقيادة الروسية عدم وجود فجوة بين الشعبين الأوكراني والأمريكي، ولا بين أهدافهما. في هذا التصريح يكمن البُعد الرمزي للاتفاقية كرسالة سياسية واضحة لموسكو: واشنطن ملتزمة بدعم أوكرانيا، ليس فقط عسكرياً، بل اقتصادياً واستراتيجياً أيضاً. ورغم منح الولايات المتحدة أولوية الوصول إلى الموارد، فإن أوكرانيا تحتفظ بسيادتها الكاملة على ثرواتها الطبيعية، مع حقوق تصويت متساوية في إدارة الصندوق الاستثماري، بما يُظهر أن الاتفاقية لا تهدف إلى الاستغلال، بل إلى تعزيز الاقتصاد الأوكراني واستقلاله.
وتأتي هذه الشراكة في سياق سعي الولايات المتحدة إلى تقليل اعتمادها على الصين في مجال المعادن النادرة، مثل التيتانيوم والليثيوم، التي تمتلك أوكرانيا كميات معتبرة منها. لكن خلف هذا التفاهم الاقتصادي، تلوح دلالات سياسية عميقة. فمن خلال فتح مواردها الاستراتيجية أمام واشنطن، تتحصل أوكرانيا، ولو بشكل غير مباشر، على الضمانات الأمنية التي كانت تسعى إليها منذ بداية الحرب. إنها معادلة جديدة: المعادن مقابل الحماية، والاستثمار مقابل الالتزام الاستراتيجي. ولا تبدو الاتفاقية مجرد تفاهم اقتصادي، بل خطوة حاسمة في تثبيت أوكرانيا داخل الفلك الغربي، وتحقيق أحد أهم أهدافها الجيوسياسية: الأمن مقابل الانخراط الكامل في المنظومة الأطلسية. أما أوروبا، فتبدو كالخاسر الصامت. فبينما تعاني صناعاتها من نقص في المعادن النادرة، وغياب استثمارات موازية، تجد نفسها خارج المشهد، في لحظة كانت تعوّل فيها على الشراكة مع كييف لتأمين سلاسل الإمداد ومصالحها الجيوسياسية. لقد خطفت واشنطن الصفقة، وكرّست تموقعها باعتبارها الشريك الأوثق والأكثر تأثيراً في رسم مستقبل أوكرانيا ما بعد الحرب، بينما تُركت أوروبا تتفرج على تقلص نفوذها في ساحة كانت تعدّها جزءاً من مجالها الحيوي.